خدعة التميز

خدعة-التميز-و-التفاخر
جميل أنْ تسعى للتميّز فى الحياة و تحقق الانجازات و النجاح ، أنْ تتركَ بصمةً فيها و كأنّك مصباحٌ يُضيءُ الطريقَ و يرشدُ الاخرين و ينفعهم ، لكن هناك مَنْ يسعى للتميز لمجرد التميز ، فهو عندهم غاية و ليس وسيلة ! 
من وجهة نظرى أنّ التميز الذى يسعى إليه البعضُ لـ " التباهي " , كما يقولُ أحدهم " أنا مختلف "، بمعنى انه يرتدي الاحمر فقط بـ نيّة أنّ الاخرين يرتدون الازرق ، و يدرسُ الطب فقط لان الاخرين يدرسون التجارة و القانون ، و يتعلم الاسبانية فقط لان الكثيرين لا يجيدونها ، و يلتحق بالجامعة الاميريكية لكونها الجامعة الامريكية و ليس بهدف الدراسة !! 

فالتميز هنا ليس بهدف انْ أنجح و أصبو لأفادة نفسي و الاخرين ،و لكن بهدف التميز بحد ذاته و لفت الانتباه ..
  المعنى الحقيقى هنا هو التفاخرُ و يختبىء تحت سترة التميّز و كأنّك تقارن نفسك بالاخرين .
 فالبعض مهووس بفكرة التميز !
 لديه رغبه لفعل أي شيء ليحصل على دعم و تصفيق من الاخرين . حسناً فالناس غالباً ما تغيّرُ رأيها ، هل ستسعى دائماً لرضاهم ؟

و أعتقد أن من كان هدفه التميز بحد ذاتِه ، سينتهي به المطافُ بشيء لا يُحبــه و يكتشف انَه أضاعَ وقته فى أشياءَ لا يُريدُها لذاتها بل لتوصله إلى التفاخر و الشهره التي اعتنى ليصل إليها , و الآن ماذا فعلت ؟؟

تعمل فى مكان لا تحبه  فقط لتصبح مميز !!
 و تدرس فى مجال لم يكن من اهتماماتك أو كنت تريده ذات يوم فى حياتك و بالرغم من قدرتك على اختيار ما تحبه الا انك اخترت ما لا تريده فقط لتجعل نفسك مميز !!
 تتزوج بشخصية لا تريدها و لا تطيق العيش معها و لكنك فعلت ،لانها تجعلك مميزاً و ترقى بك !! 

و من أخطر ما يقابلك  ما يرتكبُه الاهل فى حق أبناءهم ،حين يُجبِر الأب ابنه على دراسة مجال لا يريده فقط ليصبح مميز و له شأن فى المجتمع و دائماً ما نسمع الجملة الشهيرة " أنت مش عارف مصلحتك " ! 

فما فائدة أن اتخصص في مجالٍ لا اريده و لا أحبه ، كيف سأصبح بارعاً فيه ؟
هل اجبر نفسي على حُبّـــه ؟ أمْ أتأقلم معه ؟ و ما الذى يجبرنى على هذا ؟

حقاً اشفق على من تخلى عمّا يحبه و يريده من أجل المظاهر ، و لكن يزيد إشفاقى على المتخلين عن إرداتهم, بسبب أرآء الاهل أو الاصدقاء الباحثون عن المظهر ،و يسخّروه أداةً لتحقيق أهدافهم ،فتراه غالباً ما يتأثر بوجهات نظرهم فلا يملك مصيره أو حياته !!
و غالباً لا يشعر بالرضا عن نفسه و يعيش مقيداً ، عبداً للمظاهر و لرغباتِ من حوله !!

هل من الضروري ان احصل على مجموع صغير حتى التحق بكلية الحقوق أو الزراعة ؟ لمجرد أن يكون لى تبرير لأدرس ما أحبه ؟ و هل من الضروري أن جميع المتفوقين يدرسون الطب أو الهندسة !! 

و حين تفكر فى الزواج هل من الضروري أن تفكر فى المستوى الذى يجعلك أكثر تميزاً فقط لأنك تفكر فى المظاهر ؟ هل عندك استعداد أن تتخلى عن المظاهر من أجل ما تريده ؟ هل نسيت انك حر ؟

أعلم أنها أولويات و تختلف من شخص لأخر ، برأيي أنّ التميز شيءٌ رائعٌ ,
و لكن رجاءا  فكّر أولاً  لماذا تريد أن تصبح مميز ؟
هل تخاف من شىء ما ؟
هل تفتقد الشعور بالامان ؟ 
هل تفتقد الثقة بالنفس ؟
اكتشف السبب الحقيقى،  احسم هذه المشاعر ، فـأنت وحدك تستطيع ذلك ..
 أختر الطريق المناسب لك ، فالتفاخر و المظاهر لا تدوم طويلا ، لان حين  يتوجه الضوء لشخص أخر و تلتف الناسُ جميعاً حوله و يذهبون مِنْ حولك ستشعر بالضيق ، لان ثقتك بنفسك متعلقة بما صنعه مَنْ حولك من شكلٍ بّراق لك, فمن الطبيعى أن تهتز لأتفه الاسباب .

أنت تؤذى نفسك لو كنت تفكر بهذه الطريقة، فالمميزون الحقيقون لا يريدون الاضواء ، و جذب انتباه من حولهم , بل أن الاضواء هى التى تبحث عنهم و يجذبون انتباه من حولهم دون حسبان أو تركيز على ذلك !!
اختر الطريق المناسب لك ، اختره بدقة ، وفقاً لأُسسٍ و قواعد وضعتها لنفسك ، و انْ كنت لا ترى انك تريد شىء ما سوى للتفاخر و جذب الانتباه ، فرأيي أن تعيد النظر في حياتك و ما تنتظره لغد !! 

لقد خلقك الله -عز و جل -مميز بطبيعتك ، و بالتأكيد أنت لا تحتاج لجذب الانتباه ، تعرّف على رسالتك التى جئت للدنيا من أجلها و أعلم ان هناك أعمال أنت مميز فيها و بارع و لا يمكن لشخص أخر أن يفعلها مثلك ، هل تعلم لماذا ؟ لان لديك القدره على ذلك .
فَـ لنْ يأتى شخصٌ يشبهك تماما ، كن واثقاً .

اختر ما يناسبك و أمضى قدماً فى طريق النجاح و اسلكه و استمتع به .فقط انوِ و توكل على الله .
و ليكن هدفك عظيماً , فكل عظماء التاريخ لم يقصدوا ان يكونوا عظماء ليتحدث عنهم التاريخ ، و لكن نحن من بحثنا عنهم و وضعناهم فى هذه المنزله ! 

مثلا اذا كنت تدرس الطب فلتكن نيتك تخفيف ألآم المرضى و مساعدتهم على الشفاء و ليس للفت الانتباه و تسعى لتسمع " الدكتور راح ، الدكتور جه" !! 

و اذا كنت عالماً فلتكن نيتك نشر العلم فى كل مكان ،و مساعدة بلدك و ابناء و طنك بهذا العلم ،و أن تفيد البشرية كلها بعلمك هذا و تكتشف و تخترع اكثر لتفيد نفسك و من حولك ،و ليس للشهره و الظهور فى الصحف و القنوات الفضائية !!
 و اذا كنت محارب مجاهد فى سبيل الله فلتكن نيتك طيبة ، لا ليعرف الجميع انك صالح  و شجاع  ... الخ .

 أظهر التميز الحقيقى بداخلك ،فقط اتبع الطريق الصحيح ، و ستذهل من النتائج ..
 فبالتأكيد أنت أكبر من أن تشغل تفكيرك و تكرّس طاقتك و مجهودك فى جذب انتباه من حولك !

 فـ أمامك رسالةٌ مخصصةٌ فى الحياة و بالطبع هى سامية ،و عظيمة تستحق ان تنتبه لها ، أليس كذلك؟ 

*أنصحك بقراءة كتاب "كيف تخطط لحياتك" لــ صلاح الراشد .. وفقك الله للخير :)