على باب الحبيب
3:46 م
ستقف عند حافة العالم وحدك.
ستشعر بالوحدة, بالألم, بالشقاء. ستشعر بأنك فقير ولو ملكت الدنيا, بأنك جاهل ولو تعلمت
أسرار الكون. ستعييك الدنيا بتفاصيلها. لن يخيفك المستقبل, فقد زهدت في الدنيا بكنوزها.
لن يؤلمك الماضي فقد تبت عن كل ما فيه و أنت صادق. ستبحث عن الراحة في كل مكان. لن
تجد الراحة في منزلك الذي نسيت مكانه, لن تجد الراحة في سفرة مع الأصدقاء, أو ليلة
تبيتها تشكي لأي منهم. لن تجد الراحة في الزوجة أو الحبيبة. لن يأخذ آلامك قبلة ليد
أمك أو دعوة من أبوك. لن تجد الراحة في أي مكان. و سيأخذك الشوق له... له وحده دون
غيره. ستظن أن الأسئلة التي تدور في عقلك هو وحده يملك الإجابة, هو دون غيره. و أن
لقائك به قادر على أن يخرجك من هذا السجن.
ستسير آلاف الأميال, ستعبر بحار
و محيطات و جبال و صحاري و أنهار... ستسير ولو حبوا, إلى أن تصل. سترتفع دقات قلبك
لتصم أذنك, لتسكت آلاف الأصوات في رأسك, لتخرس كل روح شريرة فيك. ستسكن سكون المحارب
وأنت مقبل على جلسته, ستشعر بأنك مقبل على الراحة التي طالما تمنيتها, على تلك اللذة
التي يسمونها السعادة... بحق. وستقف أمامه و أنت ”تغض صوتك“ لأنه امتحان. و ستكتشف
الفاجعة. أن من سرت إليه كل هذه الأميال و هو الحبيب الذي تتمنى لقياه, و هو الرفيق
الذي حرمت رفقته, و هو سيدك الذي تمنيت التراب الذي سار عليه...... هو شخص ميت. و ستعرف
أنك لا تحظى بهذه الرفقة التي تمنيت, و أن حبيبك غائب, و التراب مفقود... فقط أنت الآن
ورفيقك الصمت أمام قبره.
ستحيه بما في نفسك, و سيرد الله
له روحه ليرد عليك السلام أو يقيد الله ملكا يبلغه سلامك... لا يهم, المهم أن يصله
شوقك. و لأنك مؤمن فإن قلبك سيهدأ, ولكن لوعة البعد هي ما سيحرق وجدانك, و ستفيض عيونك
أنهارا حسرة على البعد و شوقا له. و ستخبره أنك تحبه, تحبه حقا... حبا كثيرا. و ستخبره
من أنت, و ستقرؤه سلام من حملك السلام, و سيرد هو السلام و لن تعيه. و ستحكي له ما
شئت أن تحكي, و ستعاهده. و ستسلم على صاحبيه على يمينه. و ستشتاق لرفقتهم. ستسأل نفسك
لماذا لم أكن أي منهم؟ لماذا خلقني الله في هذا الزمان؟ ألا يحبني الله؟!! أم هو اختيار
منه لزماني؟ أزماني هذا تكليف أم عقوبة؟!
ماذا لو لم أكن على القدر الكافي
من الصلاح لصحبتهم في الآخرة, أيحرمني الله رؤيتهم في الدنيا و صحبتهم في الآخرة؟ أشقي
أنا؟ و ستبكي أكثر. ستبكي ضعفك و جهلك. ستبكي خوفا مع انك مطمئن, و ستبكي طمعا في حكمة
الله. و سيضطرك البعض للمرور. فلست وحدك من يزور الحبيب. و ستكمل ما تعرف من سنن. ستعطيه
ظهرك. نعم ستعطيه ظهرك. و ستستقبل القبلة. ستتوجه فقط لله. ستعرف إنه ما كان ”إلا رسول“,
و أنه ”مات“, و أنه أخبر أصحابه بذلك في حياته, و أنك لا تنقلب على عقبيك, و إنما تدع
الشخص الذي هو عليه ”محمد“ ”الحبيب“ و ستعلي الفكرة التي حملها هو ليس إلا. ستذكره
بأن محمد الحبيب حامل الإسلام. و ستصلي ركعتين من السنة و ظهرك لمحمد و ووجهك لله...
لله فقط. و ستعرف وقتها أن ”الله“ وحده حررك من عبادة الأشخاص لعبادة رب الأشخاص. و
أن محمد –صلى الله عليه و سلم- كان رسولا لهذا التحرير. تحرير من عبادة الأصنام و الأشخاص
و الأفكار... لعبادة الله.
ربما لحظتها ستتفهم, أن من البشر
من يجعل مثله من البشر أصناما تعبد. و أن من البشر من يجعل من الأفكار أو الجماعات
أصناما تعبد. و أنها كلها ”وثنية“ و أنك تحررت لحظتها من كل ذلك. ربما ستفهم أن سيرك
آلاف الأميال للقيا الحبيب نفسه كان درسا. ربما تعيه وقتها.
و ستؤمن. و ستشتاق للقاءٍ من
جديد, و ربما ستبقى على ما عاهدت. و ستمني نفسك بأن تكون من ”أحبابه“ الذين بكاهم...
لكم تتمنى ذلك, و ستصدق الله في وعدك, و ستأخذ نفسا عميقا, و ستشعر بنفس نقية, و أنفاس
منتعشة. الآن, قد غسلتك دموعك و حررتك.
أنت اليوم حر. لا تعبد إلا الله.
وستعود للدنيا مجددا... فلا
يفتنك شخص, أو فكرة. لا يُعبد إلا الله. لا تعبد إلا الله.
--وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ
الشَّاكِرِينَ -- آل عمران 144
--قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: " مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى
أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ " . فَقَالَ : هَذَا فِي الزِّيَارَةِ , إِذَا زَارَنِي
فَسَلَّمَ عَلَيَّ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ
.
صلى اللهم وسلم و بارك على محمد
و آله و صحبه و من تبعهم بهدى و إحسان إلى يوم يبعثون.
لـــــــ أحمد عبد الحميد
0 التعليقات: